random
جاري التحميل ...

قل لي من تصاحب أقل لك من أنت

لو سألتني عن أقصر طريق حتى تتعلم النجاح في الحياة، حتى تتعلم كيفية التحدث بفصاحة وسلاسة، حتى تتقن الأناقة والكشخة، حتى تتعلم الجرأة والمفاصلة بالسعر عند البائع خاصة إذا كان شيخًا كبيرًا، عن طرق المذاكرة والتميز في المدرسة أو الجامعة، عن طاعة الله والتدين والصلاح، عن ثقافة الفوز وعدم الخسارة، لقلت لك أن أقصر طريق لإتقان ذلك كله، والعيش فيه هو... الصداقة!


سمعنا كلنا الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "المرء على دينِ خليلِه فلينظر أحدُكم من يُخالِلُ" هذه حقيقة معروفة ومجربة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ لماذا كان الأمر كذلك؟ لماذا كان الصديق على هذه الدرجة من الأهمية، وهذا القدر من الخطر، حتى صار تأثيره إلى هذا الحد؟


سأخبرك سراً في العلانية أن الطريقة المُثلى التي يتعلم منها الإنسان كل شيء وتدخل إلى مستوى عقله اللا واعي هي التقليد والمحاكاة.


نعم، التقليد يا صديقي Imitation. لو استطعت الرجوع بذاكرتك  - وهذا على الأرجح لن يحصل - وتذكرت حالك عندما كنتَ طفلاً، لوجدت أنك تعلمت كل شيء تقريباً من خلال ملاحظة ما تفعله أسرتك من حولك ومن ثم تقليده ومحاكاته، كبرت قليلًا وخرجت من طور التقليد الببغائي إلى تقليد أعقد قليلًا، وأصبحت تفعل ما يفعله أصحابك في المدرسة مع بعض التعديلات، ومن ثم تقليد ونسخ أنماط وتصرفات من يخالطونك بكثرة، وهكذا حتى تكونت شخصيتك الأولية، ثم تتغير شخصيتك عبر الأيام بالمواقف والخبرات والصدمات والتقليد أيضًا، منذ المراهقة وحتى آخر العمر.


نحن جميعاً نتأثر بالبيئة التي نُحيط أنفسنا بها، كما قال ابن خلدون: «الإنسان اجتماعي بطبعه» وكونه كذلك يجعله إذا تعرض لفكرة أو نمط حياة لعدد كافٍ من المرات يتقبلها ويصدقها بعقله اللاواعي، حتى وإن كانت فكرة حمقاء وغير مقنعة له أول الأمر. شيوعها في المحيطين به يجعلها تتغلغل في شخصيته، ولا يحس بذلك مع الأيام، ويذهب من نفسه استنكارها أو الوحشة منها. يحصل له بتعبيرنا المعاصر "غسيل دماغ".


فمثلاً؛ لو رأيت موضة الجينز الممزق لأول مرة ستضحك منها وتعدها فكرة حمقاء، ولكن إذا تعرضت لعدد كافي من الإعلانات خاصة من المؤثرين والمشاهير، ولو التأم شملك مع أصحاب مزقوا بناطيلهم مراراً وتكراراً، ستقل نسبة معارضتك للفكرة شيئًا فشيئًا، ولن تستنكرها، ومع الأيام ستتقبلها بل قد تدافع عنها بحرارة.


هل تغيرت حينها الفكرة أم تغير تصورك عنها؟ الفكرة الساذجة الحمقاء ستظل كما كانت ساذجة وحمقاء! ، ولكن تَعرُّضك لها لفترات طويلة حتى أُشرِب قلبك بها، أنساك سذاجتها أو قبحها. بمعنى أصح تعود عقلك عليها وأصبحت أمرًا عادياً. وما من عجب فنحن في النهاية مجموعة من العادات!؟


وهذا الأمر سلاح ذو حدين، ميزته هي أن الإنسان إذا أحاط نفسه بأشخاص ناجحين متزنين سويين؛ سيصبح مثلهم عبر الوقت بالمحاكاة اللاواعية والمخالطة.  

وعيبه في نفس الوقت أنه إذا أحاط نفسه بقوم سيئين بطّالين، جرّوه إلى حفرتهم، ولوّثوه بدَرَنِهم، وصار مثلهم بعد مدة. وكما قيل من قبل: أنت متوسط أكثر خمسة أشخاص تجالسهم.


كلامي موجه لغالبية الناس، إلا أن في الحياة أناسًا منّ الله عليهم بشخصيات مؤثرة كاريزمية، جذابة، ذات هالة طاغية، لو خالطوا عشرة أشخاص أو أكثر لأثّروا في العشرة كلهم، وما تزعزعوا قيد أنملة. هم كالرافعة "الونش" يرفع عشرات الأطنان وهو في مكانه. هؤلاء لا أوجه حديثي لهم، ولو صادف الاحتمال وكنت منهم يا عزيزي القارئ فأطلب منك راجيًا إجابتك، وأطرق بابك وأقول: "تصير صديقي"!؟

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس