random
جاري التحميل ...

  1. جزاك الله خير، مقالة ممتعة لأبعد الحدود

    ردحذف
    الردود
    1. سلمت ودمت. شكرًا على مرورك الجميل.

      حذف
  2. مقالة جميلة شكرًا لكاتبنا الكبير♥️

    ردحذف

جار النبي الحلو


كان يوم الأربعاء أجمل أيام الأسبوع عندي بلا منازع. إذ كان نهاية الأسبوع الدراسي وبداية "الويكند"، وهو اليوم الذي تصدر فيه مجلة ماجد العريقة التي لا أطيق صبرًا عنها. بعد خروجي من المدرسة، كنت أذهب عصرًا إلى مكتبة لم تكن قريبة مني اسمها القلم (أو رُسم على لوحتها قلم كبير نسيت الآن) وأشتري مجلة ماجد وأنا أكاد أطير من الفرح. وعند أذان المغرب، أكون قد ختمت قراءة المجلة كاملة. أظن أنني الوحيد في البيت الذي يقرؤها من الجلدة للجلدة، لا أدع فيها شاردة ولا واردة، حتى أرقام التواصل وأسماء فريق العمل.

في مرات ليست بالقليلة كنت اقرأ على القصة المصورة اسمًا غريبا جميلا، اسم "جار النبي الحلو". كنت طفلًا حينها وليس عندي فلاتر، أخذت الاسم أول الأمر بمعناه الحرفي! وقد كنت أستغرب من هذا الاسم وأتساءل عن معناه وحقيقته، وهل هو فعلًا جار يعيش بالقرب من النبي محمد صلى الله عليه وسلم!؟ وربما ظننت أنه وصف لشخص قديم عاش في المدينة المنورة، وأخذت هذه القصص من تراثه! أو مجرد اسم حركي لا يعني شيئا مهمًا، ولا يجب أخذه على محمل الجد. أذكر أنني أول ما رأيت اسمه شهقت من الاستغراب، فأنا أعلم يقينًا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش منذ زمن طويل وتوفي قبل مئات السنين، تهتز هذه المعلومة وتتحرك مياهها الراكدة بعنف، عندما أجد اسم جاره كاتبا ومؤلفا للقصص في مجلة ماجد! ما هذا التناقض!؟ لا أذكر أنني سألت أحدا عن هذا الأمر المريب، ومر الزمان وطوت كل ذلك صفحة النسيان
.



قبل فترة بحثت في أوراق مهملة، وطالعتني مجلات ماجد القديمة متكدسة فوق بعضها البعض. شعرت بالحنين، ونشوة "النوستالجيا"، وتمنيت أنني لم اقرأها لأستمتع بقرائتها من جديد، وخاصة الهوامش التي بخط صغير في الأسفل، إذ كانت  من ألذ ما أتناوله في وجبتي القرائية، أقلب الصفحة وتنظر عيني في أسفلها لعلي أظفر بهامش رفيع يكون أشهى لي من المانجو. 


بالصدفة وقعت عيني على الاسم القديم  "جار النبي الحلو" تجددت الذكرى، وبعث الفضول من قبره مرة أخرى. أخذت الاسم "الحلو" وأجريت عنه بحثًا. اكتشفت أنه شخصية حقيقية بهذا الاسم حرفيًا، أديب مرموق، كتب عشرات المقالات والقصص للمجلات والتلفزيون والإذاعة وغير ذلك، وتميز بكتابة قصص الأطفال وخط منها الكثير الكثير.


كنت قد سمعت باسم "الحلو"، وأعلم أنها عائلة مشهورة في مصر. منها رجل السيرك المشهور مدرب الأسود: محمد الحلو الذي كان يحضر عروضه الألوف، وقد قضى نحبه - رحمه الله -  بهجوم غير متوقع  من الأسد "سلطان" الذي كان يحبه كثيرًا. إذ هاجمه من الخلف بعد أن أدار ظهره له وواجه الجمهور. نبهه المساعدون لكنه لم يسمعهم للأسف بسبب شدة تصفيق الجمهور الكبير. نقل إلى المستشفى، وكانت آخر وصايا الحلو: "ماحدش يعمل حاجة لسلطان". ندم الأسد "سلطان" بعد الحادثة، وعاقب نفسه حتى قتلها! وقد تأثر الشارع المصري كثيرًا بهذه القصة، حتى شاع في مصر تلك الأيام مقولة "الأسد أكل الحلو!" محمد الحلو (مدرب سيرك)




أكثر ما وصف به جار النبي الحلو عند من ذكره أنه: روائي. وهذا صحيح قياسًا على عدد الأعمال الأدبية التي أنتجها ومنها: القبيح والوردة، طعم القرنفل، الحدوتة في الشمس، طائر فضي، العجوزان، حلم على نهر، قمع الهوى، حكايات جار النبي الحلو، حجرة فوق سطح، قمر الشتاء، عطر قديم. كما كتب للأطفال، في غير المجلات المصورة قصصا كثيرة أذكر منها على سبيل المثال: محاكمة في حديقة الحيوان، قط سيامى جميل، ليلة سعيدة يا جدتى، الكتكوت ليس كلباً، أنا ومراكب أبى. 

وتحولت بعض قصص الأطفال هذه إلى أعمال مسلسلات  تليفزيونية منها: أصيل في أرض النخيل، حكايات منسية، كنز الواحة، حواديت جميلة، طيور صغيرة، ريش الطاووس، وغيرها.

وقد حظي "الحلو" بالتكريم، وحصل على كثير من الجوائز في مصر، وفي بلدان عربية أخرى.


جاء عدد من الأدباء وكتاب السرد في مصر إلى الرياض، لحضور فعاليات الجنادرية في أيامها الأولى في الثمانينات، وكان بينهم جار النبي الحلو، وطلب منهم بعض نظرائهم من الأدباء السعوديين السهر معهم فاعتذروا، قال الراحل جار الله الحميد رحمه الله، مخاطباً جار النبي الحلو: اسمع كلامي فإذا كنت جار النبي، فأنا جارالله !!

جار النبي الحلو لا يزال يعيش بيننا، وقد مر عيد ميلاده السادس والسبعون قبل شهر متعه الله بالصحة والعافية.


قررت أن اقرأ إحدى رواياته، وحتى لا أحتار فيما أختار، فقد عزمت على انتقاء إحدى القصص التي فازت بجائزة.


عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس