random
جاري التحميل ...

سيرة من الغرابة

 

كتاب اعترافات حافظ نجيب. الضابط، الجاسوس، رجل الأعمال، المحتال، المدرس، الكاتب المسرحي، الراهب، بائع حلوى الأطفال ، البارون، الفيلسوف، وقبل ذلك كله: الإنسان.
"ممدوح الشيخ"

 أرغمت الأستاذ حافظ نجيب على نشر اعترافاته في حياته، بدلا من نشرها بعد مماته لأمكّن الناس من تكذيب ما لا يصدقونه، ولأمكّنه من الرد عليها فلا ينهشون لحمه وهو جثة كما نالوا منه بنشر الأكاذيب والخرافات وهو مطارد عاجز عن الدفاع عن نفسه.

إن جلجلة صوت الحق تدمغ الباطل وتفزع الجبان

"سعدية الجبالي"

ابنة حافظ نجيب


خلوت إلى نفسي مرات وعرضت على العقل والضمير حياتي الماضية، فأيقنت أنني أضعتها في سفه وضيعت الشباب، ومكنت الناس من هدر كرامتي، فاختلقوا عني الأكاذيب والخرافات حتى صرتٍ شخصا شاذًا خرافيا فوق ما أنا عليه حقيقةً. وأصبح أولادي بعد ذلك يلحون علي لكتابة اعترافاتي، فتمنعت طويلا ثم أذعنت.

ولست أكتبها للناس الذين اختلقوا علي، فهم يهمونني، وإنما أكتبها لأولادي لتلبية رغبتهم، وليتقوا الأخطاء التي ضيعت حياتي وثمراتها.

 "حافظ نجيب"



آمل أنني نجحت في إثارة فضولك حول هذا الرجل: حافظ نجيب.

هو صحفي ومؤلف مصري، كان يتمتع بحس المغامرة واشتهر بقدراته العالية على التنكر والاحتيال وانتحال الشخصيات. وساعده على ذلك إتقانه للإنجليزية، والفرنسية والتركية بطلاقة، إضافة إلى اللغة العربية، مع مجموعة من المهارات والقدرات المختلفة اكتسبها طوال حياته.


حيث نشأ في بيت جده التركي، ثم ألحقه أبوه بمدرسة عسكرية مجانية، ثم بعثته أميرة روسية إلى كلية سان سير بفرنسا، غير أنه ترك الدراسة ودخل في خدمة المخابرات الفرنسية. لا يفوتني أن أذكر أيضاً أنه قال الشعر وله قصائد وقطع قليلة.


بدأت حكايته مع والده وجده؛ ففي منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، في إحدى المدن بمصر، كان الباشا التركي يمر بالسوق، وفجأة كادت عربته تدهس طفلاً صغيرًا يلعب في الشارع. قرر الباشا التركي أخذ الولد وحرمانه من أبيه المهمل الذي يعرضه للخطر.


لم تنجح محاولات والد الطفل الحاج "حسن السداوي" في استرداد ابنه الذي أُطلق عليه اسم: محمد نجيب. وسُمح له بزيارته كل أسبوع فقط.

تربى محمد نجيب في سراي (قصر) الباشا التركي، دخل المدرسة وتخرج منها، ثم دخل المدرسة الحربية وأصبح ملازما.


كان يعيش في رغد وهناء. أُعجب الباشا وحرمه "الهانم الكبيرة" بالفتى، حتى وصل الأمر بهم إلى تزويجه بابنتهم. تم الزواج، وكان حفلًا رائعا، ابتهج به السراي. وذات ليلة أخطأ محمد نجيب خطأ عظيما. خرج في نزهة أثيمة، وعاد مخمورا، وبدأ يعربد. اعتدى على زوجته وعلى الهانم الكبيرة!

لم يُغفر له هذا الخطأ الجسيم، طُرد من السراي وأُرسل إلى السودان. كانت الفتاة حاملاً، حاولت الهانم التخلص من الحمل وإجهاضه فلم تنجح، ولدت البنت غلاماً سُمي: حافظ.


كانت الهانم الجدة تكره الفتى وتعذب أمه التي هي ابنتها، تضربها وتهينها حتى أصابها العمى. ورمت بالطفل إلى زوجة البستاني الذي يعمل عندهم فتربى مع عائلة البستاني.

بعد فترة ماتت أم الفتى الشابة جراء الإهمال، ثم مات الباشا في ذات اليوم! تبدلت حال الهانم وندمت، وأصبحت تحنو على الصغير وترحمه. أرادت أن تعوضه عن الماضي المؤلم.


للأسف حظ الفتى كان رديئاً، فبعد عودة أبيه من السودان رفع قضيةً على الهانم، وأمر القاضي بارجاع الطفل لأبيه. وهنا بدأت حياة الشقاء، والقسوة، التي شكلت حافظ نجيب، وأنشأته شاباً مغامرًا جريئاً، غير هيّاب، حتى كان له من المغامرات في سن الخامسة والعشرين ما لم يكن لغيره في سن الثمانين!

لم يكن يحب أباه، الحقيقة أنه كان يكرهه، وأبوه كذلك لايبالي به. تزوج أبوه أكثر من مرة، وكان له إماء، ولحافظ إخوة وأخوات كان هو أكبرهم. 


يقول حافظ: انتقلت للعيش مع والدي، وزوجة جدي وأطفالها الخمسة. كان مستواهم الاجتماعي متدنيًا، لا يقارن بما كنت عليه! حياتهم عبارة عن: تهارش، عبث، عري، حفاء، صياح، وكانت زوجة أبي الحبشية "حبيبة" والجارية "أمينة" تعتبران هذا شيئا عادياً لا يستوجب توجيه الأولاد! كانت حياتهم لا تشبهني.


لم ينتظم حافظ في الدراسة، مما جعل أباه يملّ منه ويتمنى لو يرتاح من مسؤوليته، خاصة وأن أحواله المادية محدودة. سمع الأب يوما بافتتاح مدرسة حربية جديدة، بادر سريعاً بتسجيل حافظ فيها. كانت تشترط أن يقضي في العمل بعدها أربع سنوات، وافق الأب على الشرط بدون تردد. وهكذا ظل حافظ يدرس في الكلية الحربية، ويعاني من الفقر، والفاقة. وقد حصل له فيها عجائب لا تصدق!


مغامرات جريئة عجيبة، مسلم يصبح راهباً في دير مسيحي! معلم، وضابط استخبارات لوكالة أجنبية، بائع حلوى للأطفال! بارون ثري يستعرض ويتباهى ويسلم نفسه، ثم يفر من السجن بسهولة!


غني ينفق بلا حساب، ثم فقير معدم لايملك شيئا! زير نساء. يلهث خلف الشهوات ولا يقاوم الحسن والجمال الذي يعجبه. علاقاته بالجنس الآخر كثيرة، لكن علاقته بالأميرة فيزيسكي كانت خاصة جداً. 


حافظ نجيب كان شاباً متهوراً جريئا بلغ به الأمر أن يعمل أجيراً في بيت رئيس النيابة. عمل بإخلاص وتفانٍ حتى أخذ شهادة من النائب العام يمدحه فيها ويثني على حسن سيرته وسلوكه! استخدمها بعد ذلك ضده في المحكمة.


من أعجب السير الذاتية التي قرأتها، ولا أدري عن صحة كل مافيها. كنت أتمنى أنه نشر باقي مذكراته، حيث إن هذه الاعترافات تنتهي في عام 1909 وعاش بعدها حافظ نجيب إلى عام 1946

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس