random
جاري التحميل ...

ما فائدة الأدب؟

 

هل الأدب مهم؟

في عصر تشيع فيه الرأسمالية والمادية وتتوحش الحياة أكثر وأكثر، ويغدو البشر في حالة متواصلة من اللهاث يشتاقون إلى المزيد من الإنجازات المادية والمكاسب الملموسة، يرى بعض الناس أن أي شيء لا يدعم هذا السباق بشكل مباشر أو غير مباشر، جهدًا لا فائدة منه. يحسبونها بالورقة والقلم ثم لا يجدون الأدب أو الفن رقمًا من أرقام المعادلة أو عنصرًا من عناصر المسألة، وبالتالي لا داعي له، ولا يصلح أن يكون مما تُصرف فيه الأعمار، أو مما تشغل به بالك.


كان بورخيس ينزعج كثيرًا إذا سُئل عن فائدة الأدب؟

ويصرخ قائلًا: لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري أو منظر غروب شمس جميل!؟

ولم يبعد عنه كثيرًا رد ماريو بارغاس يوسا على السؤال نفسه إذ يقول: "إذا وُجد الجمال، وإذا استطاع هؤلاء ولو للحظة أن يجعلوا هذا العالم أقل قبحًا وحزنًا، أليس من السخف أن نبحث عن مبرر عملي؟ "


العلم موضوعه الحقيقة، والأدب موضوعه الجمال. فلو وصفت نظرية علمية بأجمل الأوصاف وزخرفتها بما لا مزيد عليه، وكان مضمونها باطلًا أو خرافيًا لا يتناول الحقيقة ولا يلامس جوانبها، لصار ذلك عبثًا لا يُمدح عليه صاحبه، لأنه لم يحقق شرط العلم وهو الحقيقة وطلب الوصول إليها.


أما الأدب والفن فموضوعهم الجمال الرائع والذوق الأخاذ، فإنك لو اختلقت قصة كل شخوصها مخترعون لا حقيقة لهم، ثم أجدت حبكتها وبلاغتها، وجعلتها تلامس قلوب الناس وتحرك عواطفهم، لعُـدّ ذلك من جميل الأدب الفن، ولما سألك أحد عن حقيقة ما تدّعي أو صدقية ما تقول، فالأدب موضوعه الجمال لا الحقيقة. ولو وصفت قصة حقيقية وصفًا تقريريًا جافًا، لما صار ذلك من الأدب ولو كان صحيحًا 100%!؟


الأدب والفن لسان معبر عن شعور طائفة كبيرة من الناس، وعين تبصر ما يتلجلج في نفوسهم ولا يستطيعون التعبير عنه. الأديب ناطق مفوض يسمع الناس ما يعانونه في نفوسهم على لسانه.


الأدب تجسيد للحياة، منظر رائع ولوحة فنية مبدعة، نرى في تفاصيلها وثناياها ما غاب عن التقارير الوصفية والمباحث العلمية. إنها تعطينا شعورًا لنعيش لحظة توفرت لشخص قبلنا بمئات السنين، تُشعرنا بمذاق أكلة لم نرها ولم نسمع بها. تجعل شخصًا يعيش في هذا القرن مثلي يتمنى أن يحظى بشمة من "عطر منشم" في الجاهلية، ويعرف سر هذا الطيب الذي اتخذه العرب نذير حربٍ وداعية شر.


من لي بمثل كلام الجاحظ ووصفه للحياة بكل تفاصيلها، كأنه أخذ مصباحًا وأضاء لنا مناطق مظلمة من تاريخنا، ووصف لنا تاريخًا اجتماعيًا عزيزًا، حتى صار في استطراداته وهوامشه، أثرى بالأدب من متون غيره وتآليفهم. ولو جمعت من العلوم والحقائق ما جمعت ما استطعت أن تأتي بشيء من ذلك الجمال إلا بالأدب.


الناس اليوم في هذه الحياة أشبه بالآلة الميكانيكية الضخمة، تدور تروسها ليلًا ونهارًا، فتُرهق وتحتاج إلى زيوت وسوائل تطريها وتلينها، وتجعل أهلها يحتملون ما فيها من غلظة وخشونة.


العمل المادي يصنع منا بشرًا قادرين، يغذي أجسادنا بالقوة والنفوذ والمال. يشتغل الأدب على دواخلنا، يلامس الحس فينا، أرواحنا التي تتعب وتحتاج الرعاية والغذاء والرفق، في ظل هذا الزحام من التكنولوجيا والمنافسة.


الروح ليست طماعة، بل ترضى باليسير، ولا تطالبنا أن نقسم حياتنا مناصفة بينها وبين الجسد، قنوعة تكتفي بقليل من الوقت ولحظة من الاهتمام. هي تطلب فقط ألا نتجاهلها، ألا نلغي وجودها أو نعتبرها تحصيل حاصل.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس