random
جاري التحميل ...

جهازٌ يعرفه الموظف


كل اللابتوبات صالحةٌ في طفولتها، ولكنها تبدأ بالانحدار في سلّم الأخلاق كلما كبرت واشتدت مناعتها، واختلطت بالعالم الخارجي.

تذكّر يوم كنت في عملك، حينها استلمت جهازك طيبًا مباركًا، ثم دخل سوق العمل مثلك، وتعاورته الأيام، والفيروسات الخبيثة وأصدقاء السوء، من الفلاشات المضروبة والملفات المهكرة وغيرها، فبدأ بالفهلوة، واللعب بذيله، أو بشيء آخر، حتى جعلك تتعوذ بالله من شره وشر نكباته في وردك الصباحي كل يوم.

أخي الموظف، لا تنس ما صنعته بك بطارية اللابتوب. معدل الشحن الذي يكون في أحسن حالاته كل يوم، ويستمر كذلك حتى تحتاج إليه فيخذلك، ويهرب منك ويتناقص بسرعة كبيرة، خاصة حين تكون في غرفة الاجتماعات مع المدير الذي فرغ نفسه من كل شيء من أجل الاجتماع الموعود!؟

اللابتوب مخلوق يكره التشتت، ولو تذاكيت عليه وفتحت شاشتين أو نافذتين تعمل فيهما في وقت واحد، فإنه لا يرد طلبك، لكنه سيذيقك من التعليق والتهنيق ألوانًا من العذاب.
 وقد يخدعك في البداية وتسمع صوت معالجه يهدر فتقول: مسكين يبذل جهده من أجلي، فإذا دخلت المعمعة وصار تركيزك حادًا كالليزر، شحبت الشاشة وابيضت وتجمدت، وصار لا يستجيب لك ولو أتيت له بألف شفيع!

جرّب يومًا أن تعرفه على طابعة. حاول أن تنشأ بينهما علاقة طيبة. ستدرك كم هو ذكوري متوحش يكره الجنس الآخر وبالذات الطابعات، فإنهن بالنسبة له (توكسيك) ولا يترددن في خيانته مع كل من هب ودب!؟

لم تقتنع؟ حسنًا، حاول أن تهدده بإحضار لابتوب جديد، تستعيره من صاحبك. سيكشفك وسيعلم أنها خدعة ولن يهتم لك، لأنه يعرف أن هذا اللابتوب ليس ملكًا لك، وبالتالي ليس تهديدًا له.
 سيعاند ويستمر في تَمنُّعه وألاعيبه ومشاكساته، فإذا كتب الله لك الرزق، واشتريت لابتوبًا جديدًا وصار الأمر جديًا، عاد بأحسن حال كأنه جديد، وزالت عنه كل علله الأولى، وجعلك تندم أنك لم تصبر عليه.

يبلغ من خبثه ومكره، أنك ترسل إيميلًا بمرفقات فلا يستجيب لك. تحاول ثانية وثالثة، ولا يحدث شيء، فإذا حذفت المرفقات وحاولت إرساله، انبعث بسرعة البرق. تستدرك الأمر مرة أخرى وترسل الايميل بمرفقاته، وتمكث قليلًا، فإذا صاحبك يتصل بك ويصرخ: "أزعجتنا ترسل نفس الايميل خمس مرات"!! أجزم حينها أنك لو ألصقت أذنك به، لسمعته يضحك عليك من صميم مذربورده.

كان صاحبي يمتلك لابتوبًا عزيزًا عليه، بمعالج آي ثري (i3) أو ربما دون ذلك، وكان صبورًا جدًا، فإذا أراد مشاهدة شيء ما، شغل اللابتوب وذهب إلى صلاة التراويح ثم رجع، فإذا اللابتوب مستعدٌ للعمل، قد تجاوز صدمة التشغيل وصار في الفورمة.

لا تغتر بمنافذ اليو إس بي التي تملأ جانبيه، واسأل الله ألا تضطر إليها في يوم كربة، لأنها أحيانًا لا تكون بمزاج جيد أو مضربة عن العمل، وتقرر أن تتخلى عنك بسهولة.


لحظة،
أشعر أنني تماديت كثيرًا في ذم اللابتوب. وكأنني تناسيت أنه أكفأ جهاز للعمل، حقيقة لا مجاملة، وأنه أوفى صديقٍ لنا جميعًا معشر الموظفين. لذلك نمزح معه ونداعبه، والعلاقة بيننا وبينه شخصية، وليس هناك مجال للزعل بالطبع، أليس كذلك يا عزيزي اللابتوب!؟
 
يا حليفنا في الليالي الطوال، وقبل الديدلاينات الكبرى والمعارك العظمى، بيضتَ وجوهنا قبل التقارير الربعية والسنوية، ولولاك - بعد الله - ما استطعنا العمل عن بعد، بل ولا عن قرب.
 تنقذنا دائمًا بسرعة حركتك وذكائك العبقري. تقترح لنا الحلول التي نكدّ أذهاننا في البحث عنها وهي أمام أعيننا لا نراها، فترحمُنا وتقدمُها لنا على طبق من ذهب، جهودك الكبرى رفعت شركاتٍ، وصرفت رواتب، وفتحت بيوتًا فشكرًا لك بحجم السماء.

أكرر شكري لك أيها اللابتوب العزيز، وأحيي فيك صبرك على الموظفين الذين تقابلهم كل يوم. وأعدك أنني سأحسن معاملتك، ولن أجعلك تجوع إلى الكهرباء بعد اليوم.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس