random
جاري التحميل ...

صديق الفيلسوف

 

يرافقني هذه الأيام كتاب لذيذ ممتع. 

"الأنس بالراحلين" هكذا سماه صاحبه الأنيق محمد عبد العزيز الهجين. أمسيات مع السير الذاتية، تأملات وشذرات مستلّة من حياة كثير من المؤثرين والمشاهير الذين رحلوا عن عالمنا، وبقيت ذكراهم تؤنسنا. سِفْر جميل، يسمح لك بقراءته بذهن خالٍ، حتى قبل النوم، وهو - مصحوبًا بكوب دافئ - مناسب لليالي الشتاء الباردة.


في سيرة برتراند راسل التي عنونها الكتاب بـ"تجارب مسالم في الحرب العالمية الأولى" يقول برتراند راسل عن صديقه تيودور: كان يوحي بأعمق المودة بنفس كل من يعرفه، ولست أعرف غير امرأة واحدة في الدنيا بأسرها لا يسرها أن تقترن به، وتلك بالطبع المرأة الوحيدة التي كان يتمنى أن يقترن بها إدوارد". هذا وصف فيلسوف كبير عاش قرابة قرن من الزمان، ولا أستثني كلامه من عبث الفلاسفة وإغماضهم وخبط مفاهيمهم، لكنه صاحب تيودور مدة طويلة، وبالتالي سيعرفه معرفة أحسن من غيره. 


تيودور مثال واضح للحكمة الشهيرة التي تقول "كل ممنوع مرغوب" فهو رجل تتحدث النساء به في مجالسهن، ويتمنين منه لفتة أو اهتمامًا، لا يطلبن سوا بادرة حسن نية بسيطة منه، وسيكملن الباقي، ربما لأنهن يرينه عظيمًا أو مريحًا. إنسان إذا كنت في محيطه يشعرك بمشاعر رائعة.


لكن للأسف تيودور لا يرى ذلك، يشعر أنه محاط بنساء عاديات، لا يرى فيهن شيئًا مميزًا، متشابهات مملات، وجودهن لا يسبب خفقان القلب، ولا توتر الأعصاب.

مسكين تيودور، لما وجد المرأة التي تمناها والفتاة التي حلم بها، تمنعت عنه ولم ترَ فيه شيئًا ملفتًا. لعلها اعتبرته مثل غيره من الرجال، عاديًا ليس فيه ما يميزه، أمثاله كثيرون ولا يمكن أن يعتبر فارس أحلامٍ لأي امرأة في هذا العالم.

أظن أن تيودور كان يبحث عن امرأةٍ لا تهتم به، لا تظهر حرصها عليه، ولا تفكر بالتودد له والتقرب منه. ربما كان يتمنى أن يلعب دور الطالب لا المطلوب.


تيودور شخص طبيعي جدًا، مثلنا جميعًا. ألسنا نرى النعم بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ثم لا نلتفت إلى ذلك كله، وتتعلق قلوبنا بما هو مفقود!؟بميزة لم نحصل عليها، بشيء نملكه ويملك غيرنا أحسن منه، بكماليات لو عاش شخص بدونها طول عمره لم يشعر بأي نقص!


قد نستغرب من تيودور الطماع، الذي لا يملأ عينه إلا التراب، وننتقده ونتعوذ بالله من سوء حاله، إلا أننا ننسى أنفسنا الجشعة التي تطلب الحصول على كل شيء في وقت واحد.


لعل تيودور كان أحسن حالًا من كثير منا، فهو على الأقل يعرف ما ينقصه، ويستطيع تحديده. أما نحن فمع توفر كل شيء نحتاج إليه، نشعر أننا في حاجة دائمًا للمزيد. قلق غير معروف المصدر، رغبة بالتملك لو أتيح لها أن تتملك الكون، لتطلعت لأكوان أخرى. 

لا أدري أهي طبيعة فينا، أم عادة خبيثة اكتسبناها ولم نستطع التخلص منها؟


اللهم اجعلنا من الشاكرين الراضين.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس