random
جاري التحميل ...

الصداقة

 

لو سألت طفلًا في الروضة عن التلاميذ الذين يدرسون معه لأجابك بفرح كلهم أصدقائي.
يعتبر الأطفال الصداقة أمرًا يسيرًا إذ يكفي أن يشاركه طفل آخر لعبة ما، أو يراه أكثر من مرة ليعتبره صديقًا مقربًا.

عندنا نحن الكبار الأمر ليس كذلك ولا قريبًا من ذلك، فنحن لدينا قاموس من الكلمات تصف مستويات العلاقة: كالصديق والزميل، والمعرفة، ومن "الربع" ومن الجماعة. كل واحدة منها تمنح رتبة معينة يستحقها صاحبها، وقد ينال الترقية مع طول الزمان وكثرة التجارب.

كان عندي فيما مضى قاعدةٌ مؤكدة تقول: "الصديق عملةٌ نادرة" أضفت إليها مؤخرًا: "كما أنه كائن مهدد بالانقراض". ليست هذه مبالغة مني فالصداقة تحتاج إلى وقت طويل جدًا، وقصص مشتركة، ومشاعر مختلطة، وعيش وملح، تتعارض مع طبيعة حياتنا الحالية ومشاغلنا التي لا تنتهي. 
وقد قال ابن الجوزي رحمه الله: "وجمهور الناس اليوم معارف، ويندر فيهم صديق في الظاهر؛ فأما الأخوة والمصافاة، فذاك شيء نُسِخ، فلا يُطمع فيه" فكيف نقول نحن في هذا الزمن!

هناك سؤال يحيرني، ألا وهو: هل للصداقة علامة بارزة أو دليل واضح يميز بينها وبين الزمالة أو المرافقة؟

ليس عندي جواب. غير أني فكرت بهذا الأمر فوجدت أن الصديق إذا لقيته بعد غياب طويل زالت بينكما الحواجز تلقائيًا بلا تكلف.
 فربما مازحته وضممته، وضربت على ظهره، وربما ضحكتما حتى استلقيتما من القهقهة، ولا ينقص قدر أحدكما عند صاحبه ولا يَعيب عليه.
 أما الزملاء والمعارف فكلما طالت مدة الغياب بينكم زادة كَلَفة اللقاء عليكم.

أنت وصديقك تنشأ بينكما كلمات مشتركة ومصطلحات اتفقتما عليها، تغنيكما عن الشرح أو التوضيح أوالتبرير يكفي أن تقول له "قهوة" أو "الجو برد" فيفهم أنك تحتاج "تصريفة" تنقذك من موقف محرج.

صديقك الحقيقي لا تتحرج من أن تشكو إليه ما يقلقك، أو تبوح له بضعفك وفشلك، فهو كما قيل "يُواسيك أو يُسليك أو يَتوجّع".

ذات يوم أخبرت أحد معارفي أن فلانًا صديق لي فسكت ولم يُعلّق، ثم رجع بعد مدة وقال: صدقت. فسألته: ما الخبر؟ فقال: تعمّدت ذكرك بسوء عنده فلم يرض أبدًا، وقال لي: إما أن تسحب كلامك عنه أو أخرج ولا أبقى معك.

فإذا وجدت أحدًا تصدق فيه هذه الأمور كلها وأكثر منها، فأعطه مرتبة الصديق فهو يستحقها بجدارة.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس