random
جاري التحميل ...

تسريبات حصريّة عن الملل 😉

صورة من موقع بيكسلز

يشتكي أغلبنا من أعباء الحياة ومكابدتها، ويودّ لو أن بينها وبينه بعد المشرقين.
يظهر ذلك الشعور في أجلى صوره إبّان فترات الضغوط التي قد تطول، كما يحدث دائمًا في المواسم.
ففي نهاية السنة مثلًا يتمنى الموظفون العيش بلا "ديدلاينز" ولا ضغوط ولو لقليل من الوقت!

لكن ما الذي يحدث لو تلاشت هذه الضغوط بسرعة وعاد الإنسان لحياته الرتيبة المُعتادة؟
سيتنفس الصعداء، وسيشعر بالحرية والراحة لبعض الوقت، ثم سيبدأ من جديد بإشغال نفسه أو المحيطين به. لماذا؟ لأنه يهرب من الملل والسأم.

ليس الملل وليد اللحظة بل هو شعور قديم جدًا.
 نحن نزعُم إن السابقين لا وقت عندهم، إذ كانت تشغلهم لقمة العيش جل حياتهم. حسنًا، هذا لا يعني بالضرورة أنهم كانوا لا يشعرون بالملل. أو أن بعضهم لا يقعد ممسكًا بعود شجرة ينكُت في الأرض ويرسم أشياء لا معنى لها، أو يدندن بشعر لا يفهمه إلا هو.

 ليس الملل بالضيف الجديد على مأدبة البشرية. ألم يقل لبيد بن ربيعة -رضي الله عنه- الشاعر القديم الذي عاش عمرًا طويلًا قبل الإسلام شاعرًا بالملل من الحياة كلها:

وَلَقَد سَئِمتُ مِنَ الحَياةِ وَطولِها
وَسُؤالِ هَذا الناسِ كَيفَ لَبيدُ؟


في كتابه "المَلَل.. تاريخ حي" يعود بنا "بيتر توهي"  إلى رسالة نُقشت على صخرة في أواخر القرن الثالث في مدينة بنيفنتوم الرومانية. تشهد بفضل شخص يُدعى تانونيوس مارسيلونس في مساعدة سكان المدينة على التخلص من المَلَل.

يقول النقش: "بسبب الأعمال الصالحة التي قام بها تانونيوس مارسيلونس، الرجل صاحب السلطات القنصلية والراعي الأكثر استحقاقاً، حيث أنقذ سكان بنفينتوم من المَلَل الذي لا ينتهي، فإن الشعب بأكمله في هذه المدينة يحكم أن هذا الأمر يجب تسجيله في هذا النقش".



قوة الملل


توقّف قليلًا، وحاول الرجوع بذاكرتك إلى القرارات الكبيرة المؤثرة التي رسمت طريق حياتك.
أراهنك أنك كنت حين اتخاذها تشعر بالملل.

تُخرج هاتفك من جيبك، بدون نيّة سابقة. وفجأةً، تُنزله وتشخص عيناك. تذهب إلى النادي الرياضي القريب منك، الذي كنت تتجاوزه كلّ يوم ولا تشعر بوجوده. تُسجّل. وفي فلتةً من فلتات الزمان تلتزم بجدول التمارين الأسبوعي وتستمر…
تستمر حقًا، وتحظى بعد مدة بجسد رياضي وكتلة عضلية متناسقة. تزداد طاقتك، تحصّل عملًا أفضل، تلتقي بفتاة أحلامك تتزوج تكون أسرة سعيدة.
 أرأيت فضيلة الملل، وكيف أنبتَ ثماره اليانعة في المجتمع! 

أيها القارئ الجميل، أعلم ما يدور بخلدك، والكلام الذي يقف على طرف شفتيك الآن. لكن دعنا تجاوزنا بعض الدراما في سيناريو قصة الملل التي مضت. الحقّ أقولُ لكم: لا تستهينوا -ولا أستثني نفسي- بالملل، فالسأم يصنع الكثير.

في دراسة أجرتها جامعة أمريكية: جعل الباحثون مجموعةً من المشاركين يفعلون مهمّة مملّة جدًا. أعطوهم دليل الهاتف الكبير وطلبوا منهم قراءته بلا توقف. ومجموعة أخرى لم تُكلّف بشيء مملّ كأختها.
بعد انتهاء الوقت المقرر، أُحضر جميع المشاركين، وأُعطوا كأسًا بلاستيكيًا فارغًا. المفارقة المدهشة أن المجموعة التي شعرت بالملل من قبل استخدمت الكأس البلاستيكي بشكل إبداعي أكثر بكثير من المجموعة الأخرى! 

نعم، قد انتهى عصر المعجزات، لكن للملل قوة خفية قادرة على صنع معجزات من نوع آخر. 

وفي تجربة أخرى عام 2014 -وأظنها للجامعة نفسها- حُبس كل مشارك 15 دقيقة في غرفة فارغة من كل شيء إلا من مقعد على طاولته زرّ أحمر كبير.
يعلم المشاركون الذين يجلسون على الكرسي وأيديهم قريبة من الزر الأحمر أن ضغط هذا الزر سيصعقهم، ويرسل تيارًا كهربائيًا كالذي تستعمله الشرطة في أجسادهم.

كشفت التجربة أن نحو 25 في المئة من المشاركات، و67 في المئة من المشاركين، كانوا يصعقون أنفسهم عمدًا من باب التسلية ودفع الضجر. بل إن أحدهم صعق نفسه نحو 200 مرة. لقد فضّل هؤلاء رجفة الصعق على الشعور بالملل.


الملل الكريم؟


قد يجعلنا الملل أكثر إيثارًا وكرمًا. ففي مسح ميداني أُجري في مراكز التبرع بالدم. أفاد بعض المتبرعين -كثّر الله من أمثالهم-  أنهم تبرعوا وقدموا دماءهم لأنهم لم يكن عندهم شيء يفعلونه. لقد كانوا يشعرون بالملل!

(مصدر كل التجارب: هذه الحلقة على اليوتيوب: لماذا الملل جيدٌ لك؟)

لا ينكر أحد أن الملل جزءًا لا يتجزأ من الروتين الذي يُبنى عليه كل نجاح ذي بال. لكنه يُخفي خلف ثقله ورتابته، عالمًا من الإمكانيات في دواخلنا وفي العالم من حولنا، تنتظرُ من يكتشفها. 

علينا معشر البشر أن نُصادق الملل، وألّا نطيل هجره، فربما كانت فرصتنا الكبرى لا تزال حبيسةً للحظة من الملل!

لو كان للملل لسان لانتقم من الجوال الذي منع الناس منه، ولأنشد المعلقات في شتم هذا الجهاز ولعنه وذمه!؟

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس