random
جاري التحميل ...

يوهان #26

 تمرّ بي أفكار وخواطر، عن مواضيع مختلفة …

أكتُـبُها مرات، وأحيانًا أسجّلها على شكل ملاحظات وقادحات⚡️.. 

قررت نشرها بشكل دوري في نشرة مختصرة أنيقة، ووجبة خفيفة سمّيتها "يوهان" 

العدد السادس والعشرون: الهوس الأعمى! 


"هوس العمق" قصة بديعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لن أحدّثكم عنها طبعًا، لأنني لا أُريد أن أُفسد منها ولو حرفًا واحدًا. إنها تحفة ينبغي لكل فنان أن يقرأها. صدرت في  مجموعة قصصية، كتبها عبقري السرد باتريك زوسكيند ضمن عدّة قصص قصيرة، تختلف موضوعاتها، إلّا أنها تتفق في الهوس بشيءٍ ما.

منها قصة "معركة"، وهي مباراة شطرنج مشهودة جرت بين شاب واثق بنفسه تشعّ منه الكاريزما كأنه نجمٌ في السماء! يلعب بالأسود. ضد ماتادور الشطرنج، البطل  المحلّـي  السبعينيّ "جان" ضئيل الجسم، رثّ الثياب، نقيض منافِسِه الشاب في كل شيء. 

كان الشاب صورةً للثقة العالية، هالةٌ من والتفرّد والقوة. يصفّ قطَعَه باقتدار وعَظَمة ويتصاعد منه انطباع قويّ جعل الجميع يشعرون أنهم أمام شخص غير عادي، موهبة استثنائية، وأستاذ عظيم.

لقد كانوا يتمنون أن يسحق الشابّ  "جان"، ويجعله يعض التراب من الألم. نعم، فقد ذاق  المتفرجون كلهم مرارة الهزيمة على يد "جان". الذي لم يكن لاعبًا ماهرًا بأي مقياس، إلا أنه كان يتمتع بموهبة غريبة، وهي القدرة علـى إرهاق خصمه وإصابته بالضجر ، لأنه لا يرتكب أي خطأ، ولا يتشتت انتباهه ولو للحظة واحدة!

بعد نقلات معدودة، حرّك الشاب وزيره وشق به صفوف خصمه قاسمًا ميدان المعركة إلى نصفين! انكشف قناع الشاب، واستمر علـى هذه الحال من النقلات الفاحشة الحمقاء!

لكن، هل كان هذا رأي الجمهور الحاضر؟ كلا، فقد أصابهم الهوس بهذا اللاعب ورأوا فيه مخلِّصًا لا يمكن أن يخذلهم. 
كانوا لا يجدون لنقلاته تفسيرًا! لكن رأيهم غير مهم، فهم أمام عملاق الشطرنج الأعظم، ولن يدركوا عمق استراتيجيته أبدًا. استسلموا له كالميت بين يدي غاسِله، وأدّى انبهارهم به إلى تعطيل عقولهم، وتجاهل كل الأدلة التي أمام عيونهم!
 
كانوا يتهامسون بينهم: أنظروا إليه، ألا ترون ابتسامة النصر على وجهه. إن فوزه مسألة وقت لا أكثر! "جان" نفسه كان يضطرب في مقعده قلقًا، ويتمنى انتهاء المباراة بسرعة!

حتى عندما أراد "جان" أن يأخذ وزير خصمه استأذنه مستجديًا، وهو يتصبب عرقًا أن يسمح له بذلك! ومع تداعي قطع الشاب، كان الجمهور قد هجر التفكير الرزين المنطقي، وأيقن أن الشاب سيحسم المعركة بسهولة، ولا داعي لأي تحليل، الأسود سيفوز وكفى. 

يهزُّون رءوسهم في إعجاب لا حدود له، يعرفون أنَّ الأسود سيفوز. الأبيض سيخطئ الآن، يتطلَّعون إلى ذلك! يُصلُّون بقلوبهم لكي يخطئ "جان"، وهو كعادته يَزِن الاحتمالات واحدًا بعد الآخر، ويتردَّد ثم يمدُّ يده المرتعشة المرقَّشة ببقع الزمن، و...

"كش ملك" يقضي علـى الأسود!! وهكذا رأوا جمهور العُميان بأم أعينهم "صرحًا من خيال هوى"! لم يُغنِ عنه هوسُهم به شيئًا.


عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس