صورة من أنسبلاش |
في أحيانٍ ليست بالقليلة
أَجلسُ خاليًا صباح سبتٍ أو جمعة، وأعود بذاكرتي إلى الوراء، فتقفز إلى ذهني مواقف
وذكريات مؤلمة مررت بها أو شهدتها.
يتبعُها دائمًا لوم للنفس
وتقريع لها.
أسألُ نفسي لماذا فعلت هذا
الأمر؟ ليتني لم أقل كذا. لماذا خانني التعبير هنا؟
رباه، كان شكلي مخزيًا
يومها، ما أشد غبائي وسطحيتي…الخ.
لاحظتُ أن عقلي يهوى دائمًا تذكُّر الأحداث المزعجة والخبرات السلبية، وقلما يستحضر موقفًا مُفرحًا أو خبرة إيجابية ترسم الابتسامة على وجهي ولو قليلًا! بل على العكس، إنه يختار أشد المواقف قلقًا وإيلامًا ثم يسردها عليّ جملة وتفصيلًا.
ليت ذاكرتي كانت كذاكرة
الحاسوب الذي في مكتبي، إذا كرهتُ منه شيئا فليس علي سوى حذفه. أُرسله إلى سلة
المهملات وينتهي الأمر.
للأسف أدمغتنا أعقد من ذلك
بكثير. ذاكرتنا معجونة بشخصياتنا، ومتغلغلة في تفاصيل خبراتنا وحياتنا وتصوراتنا.
إنها مكون رئيس يشكل رؤيتنا للحياة والآخرين.
نفس الإنسان متقلبة ليست
على حال واحد.
يطغى عليها اللوم تارةً فتكون نفساً لوامة، وتزين السوء لصاحبها أحياناً فتصبح نفساً أمّارةً بالسوء، ويتفضل عليها المولى بالطمأنينة والسلام فتكون "النفس المطمئنة".
وهي أيضًا متطورة مرتقية، تعرج في سلالم الارتقاء -إن شاء صاحبها- يحضُّها في ذلك خبراتها وثقافتها وتجاربها الواسعة.
لست وحدي في هذا. لأنك لو لاحظت سلوك عقلك، فعلى الأغلب سترجع بك الذاكرة إلى الماضي، وستكويك ذكريات قديمة مؤلمة ربما خجلت منها الآن.
مهلًا، حنانيك يا عزيزي، لا
تقسُ على نفسك.
أنت فعلت ما كان باستطاعتك
وقتها.
السياق الذي كنت فيه وظروفك المحيطة هي العامل الأهم في اتخاذ أي قرار. لن تكون بحكمتك التي أنت عليها اليوم أو سعة اختياراتك.
أنت قبل سنين لست كاليوم،
أنت تتطور دائمًا.
في كثير من مواقفنا السابقة
لم يكن بالإمكان أكثر مما كان.
ما عملتَه أو كتبتَه أو اعتقدتَه لن يكون خطأ فاحشًا بالنسبة لظروفك وسياقاتك في ذلك الحين. لهذه القاعدة شواذّ طبعًا وكل إنسان خصيم نفسه.
لوم الناس ومحاكمتُهم على
مواقف اتخذوها في الماضي تعنّت ومعاندة. خاصة إن كانت تلك المواقف قد صدرت قبل
زمان طويل وفي ظروف مغايرة تمامًا.
ومن الظلم البين أن يُحكَم
على إنسان بناءً على موقف سابق فقط!
من الجور أن يُنزع من السياق كله كأنه يعيش في معمل مضبوط الظروف، وينتج حقائق رياضية ومعادلات لا مجال للعواطف فيها ولا للآراء. إن السياق الذي اتُّخذَ فيه أي قرار لا يقل أهمية عن القرار نفسه.
لم يتغيّر الزمان أو تتبدّل
قوانينه. السنة الكونية ثابتة، وكثير منا سينظر إلى تصرفاته اليوم بعد سنوات فربما
ساءته وأحزنته. وسيدرك من خلالها حجم المسافة التي قطعها في تغيره السلوكي
والشخصي.
سيظل ابن آدم أبد الدهر في
وسائله وغاياته، مرتقيًا حينًا ومتعثرًا حينًا .
لا تتعب نفسك مع الندم،
فمهما حاولت استحضار السياق والظروف والبيئة المحيطة التي اكتنفتك يوم إتيانك لذلك
الفعل أو اتخاذك لتلك الخطوة فلن تفلح. لن تسترجع منها إلا ومضات ولمحات، تشعر بها
ولكنك لا تعيشها.
من هو!؟ وما سلطته على الآخرين!؟ حتى يُقيّمهم، ويتّخذ من تقلب أحوال الدنيا وتغير المواقف سوطًا يجلد به القريبين منه والأباعد العمر أقصر من هذا فلا تضيعه في أمر لا ينفعك بشيء، وربما جر عليك وعلى غيرك ضررًا كبيرًا.
لا تنشغل بماضيك وتغرق فيه.
قال أحدهم: "الماضي
جثة ميتة يحب القلقون استخراجها من قبرها واستنشاق رائحتها الكريهة".
نعم الاجترار. وهي عملية
هضمية حيوانية. تُخرج الأنعام مافي معدتها من طعام وتمضغه ثم تبلعه وهكذا مرارًا
وتكرارًا.
تقول إيمي سومرفيل:
"إننا نمضغ أفكارنا ثم نبلعها ثم نعيدها ونمضغها دون أن نحصل على أي شيء جديد
منها"!
وكلما زاد اجترار الإنسان
لأفكاره ازداد ندمًا، والعكس بالعكس.
على نقيض الندم، تأتي فكرة
الحنين للماضي. وهي الـ"نوستالجيا" الجميلة التي نشعر بها كلنا حين سماع
أغنية قديمة أو فيلم كرتون مفضل أو صورة حركت فينا خلايا دماغ خملت منذ زمن طويل.
في ظني أن الندم يأتي
غالبًا من أشياء لم نفعلها، من فرص أضعناها، وأوقات لم نستثمرها. وقلما يأتي الندم
على أمور أتيناها أو تجارب خُضناها مضت بخيرها وشرها.
فهؤلاء يتمنون لك الخير ولن يغشوك أو يحسدوك.