random
جاري التحميل ...

اللغة الأولى


أحيانًا في ساعات الهدوء والصفاء، لا أجد موضوعًا، ولا يستفزني شيء لأتحدث عنه. أجلس هكذا وتخطر لي خواطر عبثية، وأفكار متداخلة، أشرق فيها وأغرب. لاحظت أنني هذه الأيام أتفكر في حال اللغات التي نتواصل بها كيف نشأت؟ وكيف اختلفت هذا الاختلاف العظيم؟

كل الموجودين اليوم على الأرض من البشر من نسل آدم عليه السلام. هذا نعرفه يقينا ولا يشك فيه أحد، لكننا لانعرف السبب الكامن وراء تشعب هذه اللغة الآدمية إلى مئات الألسنة أو ربما آلاف؟

لو تأملنا لغات الشرق الأوسط لوجدنا نوعًا من التقارب بينها. فالعربية والسريانية والفارسية والعبرية، وغيرها من لغات الشرق الأوسط أو اللغات السامية، بينها نسب مشترك، وتشابه وتصاقب، وربما أخذ بعضها من بعض أو امتزج بعضها ببعض. لا أجزم أن العربية هي المصدر لها جميعًا، أو أنها تعطي ولا تأخذ، فهذا عيب مذموم ونقيصة يسمو عنها اللسان العربي.

اللغة موجودة قبل البشر، فالتواصل مرتبط بجميع الكائنات العاقلة كالجن، الذين عاشوا قبلنا في هذه الحياة، لا شك أنهم يتواصلون باللغة وينطقونها.

أرى فرقًا بين اللغات الغربية واللغات الشرقية، فمع اتحادها في وجود الأسماء والأفعال والضمائر، وفي وجود مفهوم الإسناد الذي يُخبر به، كالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، إلا أنها تختلف في كثير من مظاهر اللغة وعناصرها. أما لغات الشرق الأقصى كاليابانية والصينية وغيرها، فالفرق شاسع والبون واسع بينها وبين لغات الشرق الأوسط، فتلك لغات شديدة البعد عن اللغات السامية.

قرأت أن لغات الشرق الأقصى لغات رمزية، وليست صوتية كاللغات السامية، فإنك بالعربية تستطيع كتابة صوت ولو لم يكن له معنى، فمثلًا تستطيع كتابة كلمة "دينزاويط" لأنك ببساطة تستطيع أن تنطقها، وتحول الصوت إلى حرف مع أنه لا معنى لها في العربية، ولا تستطيع ذلك في لغات الشرق الأقصى لأنها لغات رمزية ولا يمكن تحويل أصواتها إلى حروف.

كيف نشأت هذه اللغات وتنوعت؟

قال الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا). أتفكر في هذه الآية، وأتخيل أن الله سبحانه وتعالى علم آدم جميع اللغات البشرية أو على الأقل أصولها التي اشتقت منها كالسامية والمصرية القديمة واللاتينية. لو كان هذا صحيحًا - وليس عندي دليل على صحته - لعلمنا أن الألسنة نشأت جملة واحدة، ولا سبق لأحدها على الآخر.

لا أتقبل الفكرة القائلة: إن اللغات نشأت عن طريق تقليد الإنسان للحيوانات وأصوات الطبيعة وأراها فكرة سخيفة جدًا.

قرأت فيما قرأت قصة أسطورية (أصلها في سفر التكوين) تزعم أن لسان الناس كان واحدًا، كان هذا قديمًا جدًا والبشر يومئذٍ يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة من هذا الكوكب الفسيح. مضى الزمان وقرروا أن يبنوا برجًا يطعن السماء طولًا، كان هدفهم أن يطلعوا على الإله في سمائه، فعاقبهم الله أن بلبل ألسنتهم، فصار البنّاء الذي يناول اللبنة (مفردة اللبن وهو القالب المربع أو المستطيل المضروب من الطين الذي كان يستعمل في البناء) لا يفهم لسان صاحبه الذي يتناولها منه!

نعم، عاقبهم الله بأن سلب منهم لسانهم، فذهبت قدرتهم على التواصل وزالت العلاقات بينهم وتفرقوا في الأرض وتبلبلوا، وسميت تلك البقعة الجغرافية: بابل. وذلك أصل نشأة اللغات!؟

أم ربما كانت اللغة اصطلاحًا تواضع عليه الناس واتفقوا، وصارت مع الأيام مستقرة معروفة!؟ ولا أفهم مسيرة اللغة بناءً على ذلك إلا إن كانت تتطور وتتقدم كلما تقدم الزمان.

اللغة عنصر مهم في الهوية، و تحقق دورًا تواصليا عظيمًا، وهي معقد من معاقد الانتماء والقومية، لا يُتصور أن تفقد أو تتزعزع. هي ليست ترفًا، أو أداة يُغني عنها غيرها، هي حياةٌ في الحياة.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس