random
جاري التحميل ...

واثق الخطوة يمشي ملكًا

عندي زميل عزيز، أشتاق للقائه، خاصة إذا غِبت عنه مدة طويلة، بلا تواصل. والسبب في ذلك أنني إذا التقيته بعد فترة انقطاع، أجده وقد تغير عن آخر مرة لقيته فيها تغيرًا ملحوظًا. فربما بدأ مشروعًا جديدًا، أو حقق إنجازًا كبيرًا، أو اكتسب مهارةً جديدةً، أو هوايةً محببة. 


صاحبي هذا يتقدم باستمرار وثقة، والملفت أنه يتطور بدون أن ندرك أنه مشغول أو مشتت، فهو يعيش حياته بشكل طبيعي جدًا، لديه واجبات والتزامات، ليس فارغًا ولا بطالًا، ويواجه مشاكل الحياة ومشاغلها مثل أقرانه بالضبط. لكنه يختلف عنهم بجودة إنجازاته، وتوازن شخصيته، يُشعرك أن الوقت الذي عنده أكثر من أربع وعشرين ساعة في اليوم!؟


أراه فلا أُحس بالإرهاق في محياه، ولا بلُهاث الإنجاز، وتزاحم المهام، الذي يحول صاحبه إلى روبوت مبرمج، بل أرى شخصًا بسيطًا، يعيش كالناس، ويخرج عن النص كثيرًا مثلهم. 


في ساعات الصفاء التي تجمعني به، أتأمل حاله، وربما اسأله سؤالًا أو اثنين، لعلي أجد الخلطة السرية، التي جعلته كذلك، فأبوء بالفشل طبعًا كل مرة، ولا أظفر بشيء مما كنت أتوقع. لم أجد فيه إلا أنه رجلٌ منظمٌ فقط، يؤمن بأن العمل المنضبط هو الأهم، وأنه لا يصح إلا الصحيح كما يُقال، وأجزم أنه قد حفظ الدرس الذي يقول: "قليل دائم خير من كثير منقطع" والتزم به في حياته، وجعله دستورًا لا يفرط فيه أبدًا.


ربما نستهتر بهذا القدر اليسير ونقول على سبيل المثال: نصف ساعة لا تكفي لشيء، وجودها وعدمها واحد! لكننا ننسى أن السيل ما هو إلا تجمّع النقط؟ وأن الحبل يحفر الصخرة الصماء مع كثرة حزّه فيها.

وصاحبي هذا خير مثال أجده لذلك، يسير بهدوء وببطء ربما، لكنه يواصل سيره، ولا ينخذل إذا تقاعس الآخرون وقصرت بهم هممهم، كلا بل يكون كما قال شاعر:


مَنْ لِي بِمِثْلِ سَيْرِكَ الْمُدَلَّلِ

‏تَمْشِي رُوَيْدًا وَتَجِي فِي الْأَوَّلِ



يبدأُ والنهاية في ذهنه كما يقول ستيفن كوفي، ويدرك أن الجائزة ستأتي وإن كانت مؤجلة.

أظنّ أن صاحبي احتفظ ببعض ميزات البشر القديمة في الصبر والجَلَد التي تكاد تندثر بعد الثورة الرقمية ووسائل التواصل والحياة السريعة. إذ تدهورت مستويات الصبر والتحمل إلى أدنى مستوياتها، ولمست  قيعانًا لم  تصل إليها طوال تاريخها.


وهو علاوة على ذلك إنسان متفائل، وأحسبه حسن الظن بالله، وهذا دافع قوي جدًا يعينه على الصبر والانضباط، وتحمل الصعوبات.


أتمنى له حياة سعيدة، وأغبطه على هذه القدرة العالية والشخصية المتوازنة، وأتمنى أن استنسخ منه عدة نسخ وأوزعها على المجتمع، فهو يحتاج إلى أمثاله كثيرًا.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس