random
جاري التحميل ...

اخلع النظارة

 


خالد شاب لطيف، متطور ومؤمن بالتحسن المستمر.كان دائمًا يستمع لمقاطع تطوير الذات والنجاح المالي والشخصي والعملي، ويتحمس لها، ويخطط أن يبني قصة نجاح خاصة به.

في أحد الأيام اقتنع بأن أفضل وسيلة لكسب المال المستمر واللي ماتحتاج جهد وشغل كثير هي الأسهم. وبعد استخارات واستشارات، جمع مدخراته واختار شركات ممتازة بالسوق ولها مستقبل واشترى أسهمها. انتهت عملية الشراء والحمد لله كلو تمام.

فتح المصحف على عادته في قراءة ورده اليومي، وبالمصادفة كانت أول آية قرأها هي الآية الكريمة (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) انخطف قلب خالد المسكين وبدأ يلعن الساعة اللي سمع فيها كلام الكذابين وبياعين الوهم حقين تطوير الذات.

قال لنفسه أكيد راح أخسر، ربي يرسل لي رسالة واضحة، خليني أنسحب وبس كفاية. بعد الويكند مباشرة باع كل الأسهم ورجع الحمد لله لا له ولا عليه، ورضي من الغنيمة بالإياب. 

هذه القصة البسيطة تحكي لنا لأي درجة الإنسان ممكن يؤول كل شيءٍ بناءً على رؤيته الداخلية، كيف ممكن يلبس نظارته الخاصة ويرى من خلالها الكون، ويفسر بها كل شيء من حوله. خالد كان من الممكن أن يقرأ هذه الاية الكريمة في أي وقت، ولن تؤثر فيه أو تجعله يتخذ قراراً كهذا، لو لم يكن فكره مشغولا بأمر الأسهم، ويفكر بالقرار الذي اتخذه ليل نهار.

من هذا الباب أيضاً تجربة نمر بها جميعاً، يشتري الواحد منا سيارة جديدة، يفرح بها وتملأ عليه حياته. يأخذ عائلته، ويخرج ليتمشى بها، يكتشف أن كل سيارات الرياض صارت مثل سيارته! تبرز له بكل شارع وعند كل "لفة". يصيح قائلا:  مو معقول وين كانت بالأول طيب؟! يحبون يقلدون ذولي!


إذا كان الإنسان منا فرحاً بشيء حصل عليه،  يريد نوعًا من التفرد والخصوصية له، يزعجه أن يكون هذا الشيء مستباحاً لكل أحد ومقدوراً عليه بيسر وسهولة. ببساطة يحزن أنه لم يعد متميزًا بشيء.


بالنسبة للإشارة التي جاءت لخالد وتعلق بها، قد تكون وسيلة خارقة، سحرية لكشف الغموض الذي يكتنف اختياراتنا، نحاول التعلق بها لأنها أحسن من لاشيء.


الغموض يؤذي الإنسان، والمجهول يخيفه جداً، يحلم أن يُكشف له، وأن يطمئن منه. أن يتوقف هذا القلق المُلحّ الذي يحرمه من النوم؛

لذلك يسعى بكل الطرق للتخلص منه، وإضاءة الركن المظلم في ذلك الاختيار المصيري الذي اقترفه.

 لكن هل سينجح؟! أشك بذلك

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس