صورة من موقع بيكسباي |
لو سألتَ الناس عن البخل، لأخبروك واثقين بأنه الحب الشديد للمال. وهذا تعريف ظالم، لا يرضاه البخل لنفسه.
فهو لا يقتصر على المال وحده، بل هو داخل في كل مناحي الحياة، متمدّد فيها.
المال وعاء للبخل، وليس علةً مُلازمةً له.
فكما أن الفلك دائرٌ وجارٍ من قبل أن تُخترع الساعات، فالبخل باقٍ، ولو فنيت كل الأموال، وزال مفهوم الأثمان من الوجود.
البخل عاهة، ومرض يحجب العقل، ويُفسد طبع صاحبه، ويُميت مكارمه، ويُخمل سيرته.
هو مَجمعٌ من الرذائل، كالجبن، والعجز، وسوء الظن بالله، والتشاؤم المظلم الذي كسفت فيه الشمس كسوفًا كليًا.
البخل داء عويص لا يرجى برؤه، قلما ينجو المصاب منه، ولو شاخ بعد الشباب، أو اغتنى بعد الفاقة.
البخيل غالبًا لا يكفيه أن تظهر هذه الخصلةالذميمة في ماله فقط! بل إن عدوى مرض البخل تنتقل إلى فكره، وسلوكه، وعاطفته ووقته.
طال على الشحيح الزمان وأدمن سوء الطباع، حتى صارت الغاية عنده هي الوسيلة، وصار يحتجن الأموال لِذاتها لا لحاجاتها.
يودّ البخيل لو يُعمّر ألف سنة، ولو شاء الله ومد في أجله، لقضى الألف سنة كلها جامعًا مانعًا، لا يتمتع بشيء، ولا يواسي غيره بما أنعم الله عليه.
وربما احتاج البخيل إلى إنفاق المال، وعضّته الضرورة بأنيابها.
فماذا يفعل حينها!؟ هل تُدركه نفحة حاتمية ويثور على سلطان المال الذي استعبده!؟
كلا وألف كلا،
بل يصبر ويصابر ويجاهد، ولا يصرف شيئًا من ماله يدفع عنه الحاجة الشديدة التي هو فيها.
كصاحب كيس المال الذي كان إذا قرصه بردُ الشتاء، أخرج درهمًا من كيسه باكيًا، وناجاه قائلًا: غدًا أشتري بك ثوبًا يقيني هذا البرد، سامحني😭.
فإذا أشرقت الشمس وجاء الدفء، تنفّس الصعداء وقال: "دفينا وعفينا (من العافية). نردّ المحبوب مكانه"!
استمر على حاله، حتى وجدوه ذات صباح ملتويًا على نفسه كالروبيانة المُجمدة 🦐ميتًا من البرد، وكيس المال بجانبه موفور لم يُمسّ!
وهذه حالة واحدة فقط من ضحايا البخل في الناس وما أكثرهم! فمن سيقتصّ منه!؟
لو كان البخل رجلًا لاشترك كل الكرام في قتله…!