random
جاري التحميل ...

الشوكولاته التي جعلت صديقي "كووول"!؟

 

 صورة لحلويات "ليندت" من انسبلاش

خالد موظف مجتهد في عمله غاية الاجتهاد. منضبط ودقيق، اعتاد زملاؤه رؤيته كل يوم تمام السادسة صباحًا بلا تأخير. يَظنّ كل من يراه أنّ حياته هي عَملُه فقط، لا زيادة ولا نقصان؟!


لم يكن حِرص خالد وتفانيه بسبب حبّه لعمله أو رغبةً منه في إتقانه. كلا، بل هو سلوك ناتجٌ من خوفه المُفرط من الخطأ، وهَوَسُه الجنونيّ بالكمال.


 تتملّك خالد رغبةٌ دفينة بالسيطرة على كل تفاصيل عمله، والإحاطة بها إحاطةَ السِوار بالمِعصم. يشعر بتهديد حقيقي إذا تغيّر أيّ عامل من عوامل اللعبة التي اعتاد عليها. وربما ينقلب غبيًا شديد الغباء، ويعطّل عقله تمامًا إن حصل شيء لا يتوقعه ولو كان يسيرًا جدًا!


عادته في غالب الأيام أنه يدخل مكتبه، ويبدأ تصنيف الأوراق بحرص ودقة. يجعلها مجموعات متدرجة حسب أهميتها، وفي مصنفات متناسقة اللون والقياس. ثم يقرأ كل ورقة بدقّة وتمهُّـل كأنها من ألواح موسى المقدسة! 


من أسرار خالد -التي لم يبح بها لأحد- أنه كان لا يستغني عن أصل الوثائق الملموس الـ"هارد كوبي" بحجّة أنه موجود على النظام أو "سوفت كوبي". فهو يريد أن تكون الأوراق المهمة بين يديه دائمًا، يراها ويطمئنّ أنها في متناوله.

نعم، فقبل عدة سنوات احتاج إلى وثيقة مهمة، وكان مطمئنّا أنها في نظام الشركة أو في الأرشيف، لكنه لم يجدها. بحث عنها كثيرًا ولم يظفر بها. كانت وثيقة مهمةً عاتبه رؤساؤه على إضاعتها.


 غير أن الحق بعد ذلك كله، أن خالد ناجحٌ في وظيفته. منجزٌ ومؤدٍّ في عمله، يُتمّ كل ما يطلب منه باحترافية.



لن أقسوَ على المسكين خالد وأبالغ في مساوئه. فأنا أعلم أنه مَرّ بظروف معقّدة، وعاش في بيئة تعظم الزلل وتنتقد الخطأ بقسوة. رُبّيَ خالد في أُسرة طيبة محافظة، جعلته مُخلصًا، وصاحب نفسٍ لوّامة، يرى أي تقصير خيانة وكلّ هفوة تقاعسًا! 


طوال سنته العملية، كان خالد لا يتمتّع بإجازته أبدًا إلا بالإكراه. وبالفعل، ‏تراكمَ رصيد الأيام عنده حتى أجبرته إدارة الموارد البشرية على استهلاك إجازته فورًا.


 قرر السفر بعد أن أقنعته رفقةُ العمل أن الإجازة لا تعد إجازة إلا إذا خُتم جوازك فيها. وبما أنه لا يزال أعزبًا، اختار أن يسافر مع صديقه الوحيد وليد. الذي كان على عكس خالد، شابًا منطلقا أريحيًا، يحبه الناس ويتمنى كثيرٌ منهم أن يحظوا بصحبته.


اتصل خالد على وليد وعرض عليه أن يسافرا سويًا إلى أوروبا.

 وافق وليد، ورتّب الرحلة كلها، فهو يعلم أنه لو اعتمد على خالد لغرق في تفاصيل الرحلة، ولما استطاع إتمام الأمر أبدًا.


رسم وليد خطة مناسبة، وسافرا إلى أوروبا.

استأجرا سيارةً، وصارا  ينتقلان من مكان إلى مكان بين مدن أوروبا وأريافها. 


في أثناء الرحلة تَعِب وليد بسبب خالد كثيرًا. استهلك طاقته بكثرة التفاصيل التي كان يقلق منها، وضَيّق عليه الأُفُق الرَحْب بتشاؤمه الذي يملأ به المكان دائمًا، وانفعاله الزائد على أمور تافهة. أَرهقه بالاستفسارات والطلبات والاحتياطات، وشعر وليد أنه لن ينتهي من رفيقه ومن قلقه وحرصه.


بانت الصورة السيئة لخالد خلال الرحلة، وأسفر السفر عنه كما يقولون، وأخذ وليد يلوم نفسه على اتخاذ هذا الصديق المُتعِب المُضطرب. وأضمر في نفسه أنّ أمّ خالد امرأة صالحة مستجابة الدعاء، وقد دعت لابنها برفقة صالحة، فاستجاب ربها لها، ورماه في طريقي حتى اتخذه صديقًا! 

وأقنع نفسه أن هذا هو التفسير الوحيد الذي يجعل ذلك الشخص المُرهِق المُعقّد يظفر بصداقتي -أنا وليد- المرح الممتع الذي يتمناه ألف صديق.


أثناء الرحلة، وخلال تجولهما الطويل في القارة العجوز، مرّا بالصدفة عند محل ماركة “ليندِت" الشهيرة للحلويات. وهي شركة أشهر من نار على علم، يعرفها كل من زار أوروبا، فمنتجاتها اللذيذة تملأ الأسواق. 


أخذا منها بالكَيـْل ما تيسر، وشرعا في التهام الشوكولاته بنهم، فقد كانت لذيذة جدًا لا تقاوم. 

أسرف خالد في أكل جميع ما يقع تحت يده من أصناف "ليندِت"، وارتشف على إثرها نصف لترٍ من القهوة أو يزيد.


بعد بُرهة من الزمن، رأى وليد أن صديقه بدأ يهدأ ويضحك ويتبسّط. لاحظ أنه -على غير العادة- خرج بالسيارة من مساره إلى المسار الآخر بلا تردد! وأنه روى نكتًا طريفة، وسمعه يعلّق بسخرية وبلا تفكير وحذر. 

حتى ضِحْكَته تغيرت وتحولت، وصارت ضِحْكَةً تخرج من قلبه حقًا.


 شعر وليد أنه ظلم صديقه بسوء ظنه. وأدرك أنه إنسانٌ رائع مرح، لكن الحياة أرهقته وأخرجت أسوأ ما عنده.

 نَدِم على تفكيره بالتخلي عنه، وبيعه عند أول امتحان. فصديقه كما يرى، واسع الصدر طيب المعشر. 


نظر إليه  كيف يشهقُ من الضحك ويملأ المكان بهجةً وسرورًا.  كيف ذهب عنه ذلك التعقيد والحرص الذي شوّه جمال روحه، ونَفّر الآخرين منه. ولام نفسه لأنه حَافَ عليه بحكمه، إذ اختصره في موقفين أو ثلاثة مواقف! 


أَغمضَ عينيه برضًا عن صديقه، وتمدّد على مقعده مرتاحًا.


ولما مد قدميه، شعر بشيء تحت قدمه اليمنى. رفعها ووجد قرطاسة الشوكولاته "ليندِت" -التي كان صديقها يبتلع منها ابتلاعًا- ملتصقةً بها. أخذها ليرميها، وفجأة قرأ على جانبها عبارةً تقول: "وِذ الكوهول" أي: يحتوي على الكحول!؟


ابتسم وليد ابتسامة خائب الرجاء.، وقال: ما أجمل صاحبي حين يكون بلا عقل!؟؟


*ليست هذه دعوة للكحول طبعًا. لكنها رسالة لمن جعلَهُ عقلُه أسوأَ نسخة من نفسه 😅😂



عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس