random
جاري التحميل ...

العجلات الثلاث

 

دراجة الحياة

دراجةٌ ذات عجلاتٍ ثلاث، كل بني آدم يعرفونها، وما أكثرَ ما يتخذها الإنسان مركبًا له في مسيرته على درب حياته الطويل. الأملُ عجلتها الأمامية، وهو شعور طيبٌ وصورة متفائلة، وحسن ظن بالله، تدفعنا للعمل والاستمرار في هذه الحياة.


 الأمل كالرائد الذي يتقدم قومه، ويَكشفُ لهم مسارات جديدة، ومساربَ يسلكونها لم يخبروها من قبل. وجوده إيجابي بلا شك، وهو مصباح يُنير ظلمةَ الحياة، ويدٌ حانيةٌ تشدّ على قلوب السالكين وتواسيهم.



يخلفها عجلتان لا تفارقانها، ليس لها مسير بدونهما، ولو وقفتا لتعطلت دراجة الحياة وانقطعت رحلتها. اسم هاتين العجلتين: القلق والعجلة.
 القلق، صغيرةٌ طيبة القلب، تخاف على دراجتها، وتبذل جهودًا جبارةً لإنجاح مسيرتها، تخاف ألا تبلغَ الغاية، وتُشفِقُ من الفشل دائمًا، ليست متفائلة كالعجلة الأمامية، بل هي متشائمة إن أردنا أن نصفها ولا نجاملها. قد يبلغ بها سوء الظن والهلع أن تتجمد في مكانها، أو أن تعكس سيرها وتكرّ إلى الخلف. تكبر عليها الهموم والخيالات المرعبة، فتشلُّها عن العمل، وتسلب منها أهم خصائصها وهي الحركة.

 وجودها ضروري لاستمرار الرحلة، هي التي تحثّ الدراجة على المضي قدمًا، وهي التي تقول لها: قد طال نومك، فانهضي وأكملي. إلا أن حثها هذا وجهدها، نابعٌ من خوفها ومن سوء ظنها، ورغبتها فقط بتجنب المخاطر والفوز بالسلامة، وليست كأختها الكبرى الأمل، التي تشع عيناها بريقًا وتملؤها النشوة، والحماس، والتفاؤل. 
القلق تغمض عينيها وتسير في دربها، حتى في الأيام الطيبة والطرق المنبسطة، لا تتخلى عن حذرها، وتتذكر دائمًا الأيام السوداء والليالي الصعبة، هي كالحارس المتحفز اليقظ، والجندي سيء الظن،الذي يشعر أن نذير الحرب مُصبِّحه أو مُمسِّيه.


في مقابل القلق تقع أختها العجلة، نعم: عجلة العجلة. يحب بعضهم تسميتها بالاستعجال، إلا أنني أود أن أبقي عليها اسمها القديم. هي الأخت الصغرى في العائلة، ترغب كأختيها بالنجاح وإتمام الرحلة، تتحرق شوقًا إلى ذلك، ولا تكاد تهدأ ولا تستقر. إن وضعوا جدولًا للسير تأففت واضطربت، وقالت هذا كسل لا عذر لكم فيه، هُبّوا وكفاكم عجزًا وضعفًا، وإن توقفوا للراحة ارتاعت ودعت بالويل والثبور. مسكينة تظن أنها تحقق كل شيء إذا اجتهدت!!

العجلة مزيج من الأختين، فيها تفاؤل يحثّها على السير وحماسٌ زاد عن حده فانقلب إلى ضده، وفيها سوء ظن وخوف يجعلها تعتقد دائمًا فواتَ المطلوب وانقضاءَ الوقت المعلوم.


تمثل هذه الأخوات الثلاث: الأمل، والقلق، والعجلة، مفاهيم رئيسة مرتبطة بشكل كبير بحياتنا اليومية. عوامل تؤثر فينا وتتحكم في تفكيرنا وسلوكنا. لا نستطيع العيش بدونها، هي حاضرة فينا، لكل واحد منا نصيب منها ولا بد، ونحن في ذلك بين مستقل ومستكثر.


من أسباب السعادة في سباق الحياة هذا، حصول التوازن بين الأمل والقلق والعجلة. لا أعني بالتوازن أن تتساوى حصصها وتتماثل، بل أعني أن تؤدي كل واحدة منها دورها الذي وُجدت من أجله، فالأمل يجعلنا نتحلى بالإيجابية والتفاؤل والبحث عن الحلول، بينما القلق يدفعنا للتفكير في النتائج المحتملة والاستعداد للتعامل معها والاحتياط لها، ومن ناحية أخرى، فإن العجلة تحفزنا للإنجاز والسير لتحقيق أهدافنا بلا توانٍ ولا كسل.

تندمج كلها وتتكامل وتتناغم إذا كان التوازن هو سيد الموقف، يضبط حركتها فلا تفرط وتزداد عن حدها. التوازن يجعل الأمل لا يتجاوز إلى المماطلة والنظرة الوردية الخادعة، ويكبح القلق فلا يحرق كل شيء ويمنعنا من الاستمتاع بالرحلة، ويجعل العجلة ممزوجة بالتأني والحكمة، حتى لا نكون كالمُنْبَتّ لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع!

التوازن غنيمة من ظفر بها فقد فاز بالورقة الرابحة

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس