random
جاري التحميل ...

الإمام أو سعود؟؟

من درس الجامعة في مدينة الرياض قبل مدة من الزمن، يدرك أن الخيارات محدودة، فالسبيل لمن طمع في تعليم جامعي يكون إما إلى جامعة الملك سعود حيث درست أنا، أو إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. لن أتحدث عن الطبقة الـ"هاي هاي" التي كانت تدرس على حسابها في جامعة الأمير سلطان، فهؤلاء لم أعرف منهم عينة كافية لإجراء إحصائية عليها لسوء حظي.


أتذكر أيامها أن عددًا غير قليل من طلاب جامعتي، كان يشتكي ويتذمر من صعوبة تنظيم الجداول وترتيب المحاضرات. يشعرون بالتشتت والحيرة، بسبب كثرة الخيارات والبدائل المتاحة. إذ تبدأ المحاضرات من الثامنة ولا تنتهي إلا عند السادسة مساءً أو بعد ذلك! والشعب كثيرة والمباني ممتدة، وفريق أعضاء هيئة التدريس كبير متنوع.


وليس الأمر كذلك عند أصحابهم في جامعة الإمام، فهم فرحون جداً بسبب انحصار الخيارات وقلة البدائل. الجامعة هي من تختار لهم أوقات المحاضرات وتُلزمهم بها. كنت أرى سعادة في وجوههم وهم يعدّون أنفسهم محظوظين ومرتاحين، إذ ليسوا مطالبين إلا بالدراسة وتحقيق الدرجات فقط وهذا سهل.


أما عبء الاختيار وحرية تقرير المصير، فهذا أمرٌ لا يحتمل ومهمة تثقل الكاهل، جزى الله الجامعة خيراً فهي تقوم به عنهم. وقد زادني عجبًا أن بعض الطلاب أخبرني أنه يسمح لك بالتعديل والترتيب و"اللعب في الخطة" بشرط واحد: وهو أن تكون راسبا حملت بعض المواد في مسيرتك الدراسية، عندها فقط يمكنك فعل ماتشاء!!


هذه بالطبع ليست نظرية، فأنا لم أعرف طلبة الجامعتين كلهم ولا نصفهم ولا عشرهم، وأعلم يقيناً أن في جامعة الملك سعود من كان مسرورًا بنظامها والعكس صحيح في جامعة الإمام أيضًا.


قيل لي مرة أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يملك عدة أطقم من البدلات الرسمية، مرتبةً على عدد أيام الأسبوع، فليس على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أن يضيع وقته ويهدر طاقته في اختيار البدلة التي سيلبسها، هو فقط يفتح الخزانة ويجد البدل مصنفة على حسب أيام الأسبوع أمامه. الساسة الأمريكيون يؤمنون أن الاختيار قرار، وأن القرار طاقة وقوة، من الأولى صرفها في شيء يليق برئيس الدولة العظمى.


أحيانًا يريد الإنسان نقل عبء الاختيار لشخص آخر، يريد أن يجعل بينه وبين هذه المهمة الصعبة نائبًا يتحمل مسؤوليتها عنه. كثرة الاختيارات والبدائل تجعل المهمة صعبة، والإنسان يحب دائماً تجنُب الصعاب، ويود أن يُكفى مؤونتها. يعود ذلك إلى الحقيقة العلمية المثبتة: وهي أن الإنسان لديه قدرة محدودة على معالجة الخيارات، وتتناقص قدرته على معالجة الخيارات كلما كانت مجموعة الخيارات المتاحة له كثيرة ومختلفة.


انتبهت بعض المطاعم إلى هذه الخصلة فينا، وقلصت عدد الأطباق في "المنيو" فارتفعت مبيعاتها، كونها جعلت العميل لا يحتار فالطلب سهل وواضح.


والإنسان إضافة إلى ذلك، يبتغي دائما شخصًا آخر يلومه على سوء المنقلب وقبح العاقبة، شماعةً يُعلق عليها فشله إن حدث أو درعًا بشريًا يتقي به، ويتلقى الصدمات عنه، ولو لم يجد شخصًا بعينه لألقى ذلك على الغرب ونظرية المؤامرة، ولو قيل له: من أنت لتهتم بك الدول العظمى أو تخطط لك!؟ لقال: هذا شيطان يكرهني، أو زعم أنه من المُسحّرين أو المحسودين.


يزداد هذا الأمر كلما كان القرار أكبر والتبعات أعظم، نحن نتحمل الخطأ في أمر بسيط، لكن الزلل في كبار الأمور جريمة لا يود أحد منا الوقوع فيها.


أُبشركم، لن نستطيع تجنب ذلك لأن حياتنا كلها عبارة عن قرارات بدءً من نوع قهوة الصباح، وانتهاءً بمقطع اليوتيوب الذي سنشاهده وقت النوم.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس