random
جاري التحميل ...

يد عليا ويد سفلى

 


ذلك اليوم كان صباحه مختلفًا، فليس من الشائع أن تُخبرك الإدارة أن تذهب لاجتماع بسيط خارج الشركة، ترفه به عن نفسك وتقضي وقتًا في الهواء الطلق.

لا أُخفيكم أنني سُررت لهذا الطلب وتفاءلت به. أخذت اللابتوب، وقررت حضور الاجتماع مستعدًا بكامل سلاحي، وكان الاجتماع في مقر شركة كبرى. 

تشاركت مع ثلاثة من الزملاء سيارة واحدة للذهاب للمكان المعلوم. فقد أُخبرنا أن الشركة الكبرى موقعها مزدحم، والمواقف فيها شحيحة يجب الاقتصاد فيها. غير أن الحال لم تكن كذلك، فقد وجدت المكان فسيحًا، والمواقف كثيرة، تختار منها ماشئت.

أيًا يكن، فقد حضرتُ الاجتماع مع فريق العمل بشركتي، والعميلُ طبعًا هو الشركة الكبرى تلك. وصلنا في التاسعة تقريبًا، ثم قادنا موظفٌ عبر متاهات المبنى، ثم دلفنا أخيرًا إلى قاعة الاجتماعات.

بدأ اللقاء سريعًا جدًا، وأخذ الزعامةَ شخص مهيبٌ من جنسية عربية، لكنه يتكلم الانجليزية سليقةً، وبطلاقة جعلتني أجزم أنه يحمل جنسية كندية أو أمريكية.

أخذ هذا الرجل يشكو ويتبرم من سوء معاملة شركتنا لهم. في أول الوقت كان يلوم و"يطقطق"، ثم اشتد الأمر، وأخذ يضرب مباشرة، وأحيانًا من تحت الحزام! 
لكنه والشهادة لله لم يكن يفتري علينا، أو يكذب. كان هذا الرجل صاحب هالةٍ وتأثير، أحسست أنا وصاحبي في القسم نفسه، أن الكاريزما تشع منه إشعاعًا، لأنه يتحدث بثقة عمياء، ومن موضع قوة، جعلنا نبهَت جميعًا، ونصدم بالحقائق التي يواجهنا بها.

ضعفُ موقفنا جعلنا لا نَحِيرُ جوابًا، ولا ننبس ببنت شفة! إلا من اعتراضات خجولة، نعلم أنها لا تجدي!؟ كان يومًا بائسًا، دارت علينا فيه الدائرة، وصرنا فيه يدًا سفلى، اعتادت أن تكون دائمًا يدًا عليا!

أتكلم بضمير الجمع لأننا وإن كنا ستة أشخاص، مختلفي الأقسام، إلا أننا في هذه الحالة فريق واحد، فلا مجال لأن نختلف فيما بيننا ونرمي باللائمة على بعضنا البعض. 
يجب أن نكون يدًا واحدة، فالاتحاد قوة أليس كذلك!؟ للأسف، لم يغنِ عنا اتحادنا في معركة هذا الاجتماع شيئًا، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، وصرنا نهز برؤوسنا كالموافقين، الذين يتمنون انتهاء الـ"ميتينق" بأقرب وقت ممكن.

خرجنا من الاجتماع، والروح المعنوية في الحضيض، ونحن بين مغتاظٍ محمرّ الوجه، أو مفكرٍ مهمومٍ لما حصل، أو لا مبالٍ إمّا لعدم إدراكه لما جرى، أو لاعتياده وقوة أعصابه.

ركبنا سيارتنا، وقبل أن نعود إلى مقر عملنا، أقسمت على شريكي أن نذهب لبوفيةٍ قريبة، تبيع من المأكولات ما لذ وطاب، لعل قضم السندوتشات ينسينا، أو يخفف عنا قليلًا كآبة هذا الاجتماع، الذي اسأل الله ألا يتكرر أبدًا.

عن الكاتب

Tariq Al Khamis

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

طارق الخميس